Hassan Abdallah
Read On 0 comments
4:08 PM
إسمع يا رضا

سارة أسعد

من
الصعب الحديث عن كتاب «لست لصّاً» دون بسمة وتفكير مأخوذ بجمالية النص الأدبي والدهشة التي يتوجه بها الشاعر والكاتب الكبير حسن عبد الله إلى قرائه الصغار. صدر الكتاب عن دار الحدائق، في إطار السلسلة القصصية للفتيان والفتيات. يتحدّث الكاتب عن ولد وجد محفظة سقطت من رجل على الطريق فلحق به ثم أضاعه، وبقي يبحث عنه حتّى وجده وأعاد له ماله. يركّز الكاتب تفكير قارئه على موضوع المكافأة والتهاني التي حصل عليها الولد لإعادته المال إلى صاحبه، رغم ما عاناه البطل الصغير من مغامرات تحت الأمطار ومن أخطاء الرجل ومن ثمّ مرضه. تُروى القصّة بلسان الطّفل نفسه، جاعلة من تماهي القارئ مع الشخصية أمراً ممتعاً ومثيراً في الآن نفسه، فالشّكل الأدبي للكتاب غير تقليديّ بالمقارنة مع كتب الأطفال السائدة. يبدأ الولد قصّته مستغرباً الكمّ الهائل من التهاني التي حصل عليها جرّاء عدم كونه لصّاً، ثم ينطلق ليروي الحكاية من البداية بأسلوب رشيق، ترقص جمله القصيرة على وقع كثرة أفعال الحركة التي تترك القارئ الصغير حابساً أنفاسه، شاعراً بلسعة البرد مع الولد وقلقاً مهموماً عند التفكير بالرّجل الذي أوقع محفظته.
يتميّز أسلوب الكتاب أيضاً بتبدّل أنواع الجمل من استفهام إلى تعجّب وانفعال بحركة سريعة تترجم تتالي الأفكار في رأس البطل الصغير، وتقدم للقارئ تحدّياً يحفز سرعة تفكيره ومحاكاة غير مصطنعة لذكائه، وقدرته على اللّعب واللّهو بين كلمات سهلة الفهم وأفكار حقيقية. ليس على الكاتب اللّجوء إلى السّحر والحيوانات الناطقة والعوالم الغريبة لإدهاش قارئه الصّغير، فلا نراه يستقي الأفكار المتطرّفة لاستفزاز البسمة مثلاً، بل يكتفي بالتجوال في بال طفل عاديّ، تلميذ في مدرسة، له أهل وأصدقاء وجارة صوتها ثخين، طفل مثل أيّ طفل آخر، يبرد ويمرض ويحزن ويفرح. أمّا عن الصّور، فتلك قصّة أخرى، إذ يدهش حسان زهر الدّين العين برسوم أقلّ ما يقال فيها إنّها ممتعة ومتنوّعة. إلّا أنّ الرسوم، على جمالها وحرفيّتها، تبقى ترجمة مباشرة (جدّاً) للنّص المتفوّق دوماً عليها بقوّة الانطباع اللّغوي والتّأثير على القارئ الصّغير، وتفشل في الارتقاء إلى دورها بتكملة النصّ.
لا يبجّل الكاتب قيماً بطولية مبالغاً فيها، و«ما بتمرق على حدا»، بل يسخرمن خلال بطله من قصص الأطفال المبتذلة المبنية على التناقض السطحي بين الخير والشر، واضعاً بذلك تفكير القارئ في نصاب تربويّ واقعيّ، من خلال التحدّث عن الجانب الإيجابيّ (ليس لصّاً) مع عدم التّركيز على الاحتمال السلبيّ.
بواقعيّة ممتعة وبساطة مطلقة، يبدو حسن عبد الله وكأنّه يكتب للطّفل الذي كانه، للطّفل الذي نشتاق إليه ونادراً ما نتواصل معه في الكتب التي تتوجّه إليه، يبدو كأنّه يكتب للطّفل في كلّ منّا، منتزعاً بسمة عفويّة، تصقل ذوق القارئ الصغير وتذكّر القارئ «الكبير» بانفعالاته الأولى.

عدد الاربعاء ٣ كانون الأول ٢٠٠٨


جميع الحقوق محفوظة، ٢٠٠٩، جريدة الأخبار

http://www.al-akhbar.com/ar/node/106343

Read On 0 comments

Followers

You can replace this text by going to "Layout" and then "Page Elements" section. Edit " About "